ثم مضينا نحمل غربتَنا على راحة اليد اليسرى , و حنينَنا على راحة اليد اليمنى , و نشطر القلب لهذه و تلك. في سرائنا سرعان ما نلوح باليمنى , و تظفو الطفولة على السطح تطلب إلى الحياة مزيدا من هذا الذي طال حنينا إليه , و نحن في ذلك ننسى بداهة ما حوت يدُنا الأخرى , نبتر هذه اليد إن استدعى الأمر , فالسعادة ليست بقدر جمالها كالحنين إلى السعادة , و أنت حالما تنظر لأوقات فرحك , لصورة وجهك في المرآة حين تبتسم , قد لا تجد غاية طليقة للسعادة مجردة من حنينك لها , و سعيك نحوها , الذي تلتذ به في بعض الأحيان أكثر من الوجهة ذاتها و الفرح ذاته , و لكنك حتما ستجد نفسك سعيدا لا لشيئ إلا لأنك سعيد , سعيدا بسعادتك يا أخي. حتَّمت طبائعُ الأشياء ألا يكون الفرح غاية بذاته , وإلا لتصدعت أبنية الحياة و لامتناهية الحياة في بصائرنا اللامتناهية بدورها , بل يغدو وسيلة إلى فرح آخر تشتاق إليه في سرائك , تماما كما تشتاق إليه في ضرائك. الرغبة أن تكون سعيدا هي ما يشيع في السعادة ماهيتها , ماهيتها النسبية , أو ماهيتها المطلقة إن قُدر لنا في يوم ما أن ندرك أمرا كما هو , دون اختزال أو إسهاب , بمنأى عن شطحات الفلاسفة و ترهات الإبيستمولوجيين. إن المرء لا يكاد يصنع لنفسه ظلا حتى يتهافت على إلقاء ما استطاع منه لدقيقة فرح أو ضحكة من قلبه , ثم هو حين يبلغها لا يعبأ إن كانت ما ظن بادئ ذي بدء , أم هي لبنة من حسه و خياله أقام منها كوخا في الجنة. كل ما يعلم من أمر تلك السعادة أينما حطت و وقتما حلت أنه لطالما اشتاق إليها , و سعى مضحيا بالتافه و النفيس. الله
غير أن الآية تقلب رأسا على عقب حين نكابد أرزاءَ الحياة و الضراءَ , و إن بقت الوجهةُ ذاتُها لا تتغير , و الحنينُ لا يتبدل. فالغربة لا تشترط قتل الشوق , كلاهما جزء من الآخر , ينبع منه و يصب فيه , يكسوه و يرتديه , و لكن أحدهما لا يظهر وقت استبداد الآخر , و هذه هي الغربه , بيد أن الآخر هذا لا يستلهم كينونتَه و يصلُب بنيانَه إلا حين يستبد الأولُ , و ذاك هو الحنين , في الغربة أنت لا تلوح بيسراك , و إن إرتقتك على غير إرادة منك , و كذلك أنت لا تزال تذكر يدك الأخرى , عزاءَك الوحيد , و علة غربتك. الله
علاقة رباعية يا ابن أبي .. الله
و آه يا بــلــد .. الله
No comments:
Post a Comment